الاثنين، 5 أكتوبر 2009

فقه النية 1

فقه النية


" وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا ، فإنه ما أتي علي كثير من الناس إلا من تضييع ذلك " عبد الله بن أبي جمرة

يقول ابن القيم في كتاب الروح :" الشيئ الواحد تكون صورته واحدة وهو ينقسم إلي محمود ومذموم فمن ذلك التوكل والعجز ، والرجاء والتمني ، والحب لله والحب مع الله ، والنصح والتأديب ، وحب الدعوة إلي الله وحب الرياسة ، ، وعلو أمر الله والعلو في الأرض ، والعفو والذل ، والتواضع والمهانة ، والموجدة والحقد ، والاحتراز وسوء الظن ، والهبة والرشوة ، والإخبار بالحال والشكوي ، والتحدث بالنعم شكراً والفخر بها ، فإن الأول من كل ما ذكر محمود ، وقرينه مذموم ، والصورة واحدة ولا فارق بينهما إلا القصد "

النية سر العبودية وروحها وما الجسد إلا آلة

مقاصد العباد ونياتهم محل نظر الباريئ جل وعلا

النيات تقع موقع الأرواح من الأعمال وموقع الجذور من فروع الشجرة وأغصانها

الأعمال تصبح مظاهر جوفاء ، وصورا صماء إذا خلت من المقاصد الصادقة الحقة

فمن فضل المقاصد والنيات الصالحة :

1- يبلغ المرء بنيته مالا يبلغه بعمله :
فقد يمنع المرء من تحقيق مراده مرض مسهد ، أو هرم مقعد ، أو فقر مجهد ، أو عدو قاطع للطريق ، أو ظالم يحبسه في داره ، أما النية ، فإنها طليقة من القيود التي تكبل الأجساد ، ومهما اشتد ظلم الظالمين فقلب الإنسان يبقي حرا طليقا ، يتوجه إلي الله في السراء والضراء راغبا راهبا ، يريده بالخير ، ويقصده بالطاعة
ففي الحديث :" من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات علي فراشه " رواه مسلم
وفي حديث آخر :" قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا مرض العبد أو سافر كتب له بمثل ما كان يعمل مقيما صحيحا " متفق عليه .

2- الخلود في الجنة والخلود في النار بالنيات:
والسؤال لماذا يخلد العبد في الجنة أو يخلد الكافر في النار في حين أن هذا عبد الله وقتا قصيرا وهذا كفر بالله وعصاه أيضا وقتا محدودا
والإجابة علي ذلك أن العبد الطائع لله مع أن طاعته كانت وقتا محدودا ومدة معلومة إلا أنه كان ينوي طاعة الله أبد الآبدين ، لذا له الخلود في الجنة ثوابا لنيته الطاعة أبد الآبدين وكذلك الكافر فقد نوي الكفر والعصيان أبد الآبدين يدل علي ذلك قوله تعالي :" ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ".

3- قاصد فعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد :

ففي الحديث الذي رواه مسلم " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة علي زانية ، قال اللهم لك الحمد علي زانية ، لأتصدقن بصدقة فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون ، تصدق علي غني ، قال اللهم لك الحمد علي غني ، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فقال : اللهم لك الحمد علي زانية ، وعلي غني ، وعلي سارق ، فأُتي به فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ، أما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر ، فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته "

4- النية تربية علي اليقظة :
فالنية عزم وتصميم وجمع للهمة ، وتركيز للإرادة ، وإعمال للفكر بحيث يدخل العبد في العبادة ، مرهف الحس محدد الإرادة والاتجاه ، يقظاً واعياً مخلصاً في إتجاهه إلي الله

لهذا ولغيره كثير أحببت أن أبدأ المدونة الفقهية بفقه النية
والله المستعان

ملحوظة هامة:
عند الانتهاء من باب فقه النية أشير إلي المراجع التي نقلت عنها أو استفدت منها